أحلام الطفولة ودموع لن تجف
عاشا معا، وسجنا معا، وتقاسما لقمة الخبز وظلم الصهاينة معا.. ويتناصفان اليوم أصفاد الاحتلال وزنازينه معا، وتضيع بذلك أحلى سنوات العمر خلف قضبان، وتمر السنوات وهما يحلمان كالطيور بالحرية، وينتظرانها بفارغ الصبر، ولكن الاحتلال أبى إلا أن يفرق الأحبة، ويجعل من حياتهم معاناة إلى الأبد.. إنهما الأسيران الشقيقان أيمن وأمين شعث من أبناء مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
أم الأسيرين: بين لوعة الأسى وبصيص الأمل
والدة الأسيرين استعانت بالصبر والإيمان بالله على ألم الفراق وأوجاعه، وبدت متماسكة حين التقينا بها في بيتها المتواضع في رفح.
وحكت الأم الفلسطينية عن معاناتها وتبللت وجنتاها بالدموع وهي تقول: "اعتقلوا أبنائي وهم أطفال، وحكموا عليهم بمدة 99 عاما، والآن أنا محرومة منهم منذ عام 1993م، وأنتظر كل حين أن يتفجر هذا السجن القاسي الذي باعد بيني وبينهم، وأن ينعموا بالحرية، حتى ننعم بلقياهم من جديد وتعود الفرحة إلى منزلنا، وادعوا الله في كل لحظة أن يفرج عنهم ويفرج كربهم مع إخوانهم الأسرى".
ويذكر أن الأسيرين الشقيقين أيمن وأمين شعث ولدا في بلوك (جي) بمحافظة رفح عامي 1977-1975م لأسرة لاجئة فلسطينية هاجرت من أرضها كباقي الأسر الفلسطينية من بئر السبع في أرض فلسطين المحتلة لعام 1948م، واستقر بهم الحال في مخيم رفح للاجئين.
وينتمي كلاهما لحركة (فتح) منذ نعومة أظفارهما، وكانا من أطفال الحجارة في المخيم ومعروفين بالنشاط، ودرسا المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس رفح للاجئين الفلسطينيين التابعة لوكالة الغوث ولم يكملا دراستهما إلا داخل أسوار السجون.
ولا تزال والدة الأسيرين تذكر جيدا كيف تم اعتقال ولديها يوم 2/3/1993م حينما فرضت قوات الاحتلال حظر التجول على مدينة رفح وضواحيها، بحثا عن المطارد تيسير البرد يني قائد صقور الفتح في رفح وأصحابه.
ومع ساعات العصر اقتحمت قوات الاحتلال مخيم بلوك (جي) وحاصرته حصارا دقيقا، وشرعت في تفتيش المنازل واعتلت أسطح المنازل العالية، وبعد ذلك اقتحمت قوات الاحتلال منازل المواطنين في حملة مسعورة طالت كافة أبناء المخيم، وكان من بينهم الأسيران أيمن وأمين شعث، واتهمتهم بالمسئولية عن مقتل المستوطن الصهيوني (يشوع) الذي ظل طريقه إلى مخيم الشعوت في شارع البحر العام والتي قلبت سيارتة امام مسجد علي ابن ابي طالب، فقتله أهالي المخيم بالحجارة وأضرموا النار في سيارته.
وهنا تدخلت في الحوار الطفلة منور شعث 14 عاما، حيث ألقت قصيدة شعر خطتها لشقيقيها الأسيرين، وأبكت الجميع وهي تتلو القصيدة بكلمات خنقتها الدموع.
وقالت: "لا يمكن أن أحرم من أشقائي طيلة العمر، إنني أناشد كل ضمير حي لكي يقف إلى جانب الأسرى والمعتقلين حتى يتم الإفراج عنهم بإذن الله".
ما بالُ عيونِكِ قد غرقتْ
بسيولِِ الحزنِِ السّوداءْ
و الشيخُ يؤذّنُ للعيدْ ؟
ما بالُ لسانِكِ قد أضحى
غُصَصاً في حلقِكِ كأْداءْ ؟
و لماذا فرّتْ أسرابُ الأمل ِ القزحيِّ من العينينْ ؟
و لماذا أنشبَ مخلبَهُ في قلبِكِ صقر‘ الأحزان ؟
الحزن‘ طريقٌ وَرْدِ يَّةْ
ستؤدي حتما للموتِ
و طريقُكِ أنتِ الأشراقُ
أنا أبصرُ حزنَكِ من سجني
عينايَ طيورُ عابرةُ
تجتازُ السجنَ ، الأبراجَ ، الدّوريّاتْ
تجتازٌ عيونَ الواشينَ الغرقى في آسن ِ مستنقعْ
و ترفرفُ فوق الدّاليةِ المزروعةِ تذ كاراً
للثّورةِ يومَ ولادتِها
كَبُرَتْ يا أمي الدّاليةُ انتشرتْ كالسقفِ على الحيّ
طرحتْ أعناباً طازجة ً
كأصابع ِ أطفال ِ الحيِّ المتمترس ِ خلفَ حجارتِهِ
عينايَ طيورٌ يا أمّي
في الحارةِ تحضنُ أطفالاً
- في عمرِِ النّحلةِ يا أمّي -
لحقوا الدّبّابةَ فانهزمتْ
ما أجملَ أن تبقى طفلاً فتطاردَ ظهرَ الدّبّابة ْ !!!
***************
في هذا الصّبح ِ أتى الزّنزانة َ شرطيٌّ
عربيا كان ؟، يهوديا، ؟ لا أدري
فالكلّ خيول ٌ مرهقة ٌ سَحَبَتْ عرباتِ الحكّامْ
لما تتهاوى في قعرِ الوادي العرباتُ
و الخيلُ مع الحكّام ِ تموتُ
فسنبكي الخيلَ و لكنّا
سنعمّر‘ عرساً
جاء الشّرطيّ ُ كما قلتُْ
أعطانا من مِنَحِ الجمعيّاتِ الوطنيةِ علبة َ بقلاوةْ
لم نرفضها، لم نُتلفها
قمنا بالواجبِ كالآتي
علّقنا أوسمةََ الشّهداءِ على الجدرانْ
فنما الزّيتون‘ على الجدرانْ
و وقفنا لحظةَ إجلالٍ
للشّهداء المنهمرين من " الأحراشِ " الى بيروتْ
و من " الرشراشِ" إلى سخنينْ
الموسم‘ خيرٌُ يا أمّي
في نفحة َ قالتْ نشرتُنا :
منسوبُ الغيثِ شهيدانْ
قد يرتفعُ المنسوبُ الّليلة َ ، لا ندري ،
بل لا نهتمُّ و لا نشكوا
فالغيثُ طريقُ الأثمارِ
و الثّورةُ بوصلة ُ الجَوعى
و طريقُ العودةِ للدّارِ
****************
في هذا الصّيحِ تعاهدنا ،
قرّرنا رفضَ زيارتِكم
كي يثمرَ غيثُك يا " نفحةْ "
و أكلنا الحلوى يا أمّي
فلماذا أنتِ على العكس ِ ؟
ما دمنا ننشد إشراقا فلماذا
سنشدّ الغيم إلى الشّمس ِ ؟؟؟!!!!