الاضراب الذي تخوضه الحركة الاسيرة اليوم، يستند الى تجربة طويلة وملحمية من الاضرابات التي شهدتها المعتقلات، حيث جسد المعتقلون الفلسطينيون صموداً أبهر حتى السجان الذي يوصد عليهم ابواب زنزاناتهم.
ولولا هذه الاضرابات التي توجت بالشهداء، لما تسنى للمعتقلين انتزاع مطالبهم وحقوقهم، لأن ادارة السجون اعتمدت منذ البداية سياسة المماطلة والتسويف، وجعل المعتقل الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة، ليسهل الانقضاض عليه.
كانت الاضرابات عن الطعام بخاصة التي شهدها معتقل عسقلان في بداية التجربة، طرقات على جدران الخزان، اي القول لهذه الادارة "إننا نرفض سياساتكم ومخططاتكم ونتشبث بإنسانيتنا ووطنيتنا، ولن نستسلم أمام أية اجراءات وممارسات قمعية".
ليأتي بعد ذلك اضراب عسقلان في العام 1976، ليؤكد ان الحركة الاسيرة قادرة على رفع وتائر العمل الفصائلي الى اعلى المستويات. وان زمن الخوف او الحسابات الذاتية قد انتهى، وان الحركة الاسيرة، حركة منظمة لها ضوابتها ولها من يتحدث باسمها.
لكن اضراب نفحة في العام 1980، شكل نقلة نوعية شديدة الاهمية في مسيرة الاضرابات عن الطعام، ونستطيع القول إن هذا الاضراب قد انتهى بنتائج ثقافية بامتياز، من خلال انتزاع الحق في ادخال الصحف الفلسطبنبة والاشتراك في الصحف العبرية، الأمر الذي كسر الحصار تماماً، ومكّن المعتقلين من التواصل اخبارياً وثقافياً مع العالم الخارجي.
والحقيقة ان منتصف الثمانينيات قد جاءت بنتائج نوعية، ارتبطت باضراب معتقل الجنيد الشهير، احيث اجبر المعتقلون ، ادارة السجون على تحقيق مجموعة من المطالب المهمة، وفي مقدمتها ادخال الراديو والتلفزيون، الأمر الذي انهى تماماً الحصار الثقافي والاخباري والاجتماعي، حينما اصبح بمقدور المناضل المعتقل متابعة النشرات الاخبارية والبرامج السياسية ويواكب الحركة الفنية.
واليوم نشهد هجوماً معاكساً من قبل ادارة السجون، من أجل اعادة عقارب الزمن الى الوراء، اي التعامل مع المعتقلين بمنطق اواخر الستينيات وبداية السبعينيات. ولأن المعتقلين على ثقة تامة بأن عقارب الزمن لا يمكن ارجاعها، وان تراكم الخبرات والوعي، من المفروض ان ينقل التجربة الى الامام، يخوض معتقلونا اضرابهم، تحت عنوان الكرامة والحياة الانسانية المشرفة بالاستناد الى المواثيق والاتفاقيات الدولية بشأن التعامل مع الأسير.
لقد تبوأت قضية الاسرى مكانة مرموقة في ضمائرنا، بل ان هذه القضية تشكل احدى القضايا التي يتعامل معها المواطن بحساسية وطنية وأخلاقية، وهذا ما يفسر التجاوب الشعبي مع نداءات الاسرى في اضرابهم، الذي لمسناه من خلال الحراك الذي تشهده مدننا وبلداتنا، بيد ان هذا التضامن يحتاج الى مزيد من العمل والاسناد، لكي يشعر اسرانا اننا جميعاً معهم، وان قضيتهم هي قضية كل واحد فينا. ان اتساع نطاق تضامننا يعني مزيداً من الاحراج لمن يقمعون اسرانا، حيث ان العالم اصبح قرية صغيرة وما يجري من نشاطات وفعاليات على ساحة اية مدينة او بلدة يستطيع العالم ان يتابعه فوراً وبالبث المباشر، بمعنى ان سلطات الاحتلال لا تستطيع ان تنفرد بأسرانا، مهما اتبعت من اساليب ملتوية وتمويهية، لأن زمن خداع العالم وتضليله قد ولّى.